
في طفولتها، كانت نادية فكري بعيدة كل البعد عن عالم الأوزان والحديد، وكانت أحلامها تدور حول الرقص والمسرح. كانت تتابع برنامج “تياترو” بشغف، وتطمح لأن تصبح سندريلا أو بطلة “بحيرة البجع” أو حتى “كسارة البندق”. لكن القدر كان لديه خطط مختلفة.
فجأة، ظهرت الإعاقة في حياتها كظل غامض، وسلبت منها توازن طفولتها. لم تعد نادية قادرة على الوقوف إلا على قدم واحدة، إلا أنها تمسكت بالأمل وواجهت الألم من خلال جلسات العلاج الطبيعي المستمرة. لجأت إلى السباحة كوسيلة للهروب من معاناتها، حيث كانت تحاول أن تطفو فوق الأعباء التي تثقل كاهلها.
في دورة الألعاب الأفريقية في بداية التسعينيات، حين غنى عمرو دياب “أفريقيا.. بالحب اتجمعنا”، شعرت نادية بالحزن الممزوج بالقلق تجاه دراستها في الثانوية، حتى سمعت صوتًا يغير مسار حياتها. كانت فتاة تُدعى “فاتن حجازي” قد عادت من بطولة رفع الأثقال البارالمبية، وعلى الرغم من عدم معرفتها بهذه الرياضة، إلا أن شعلة الأمل قد اشتعلت في قلبها.
قررت نادية، التي رفضت أن تكون ضحية للإعاقة، الذهاب إلى النادي بالقرب من منزلها. استقبلها المدرب، وقام باختبارها، لتقف كالبطلة ورفعت 60 كجم من المرة الأولى. اختارت رفع الأثقال لأنها لعبة تحدٍ، رغم صلابتها، لكنها كانت بحاجة لإثبات ذاتها بعد سنوات من الانكسار.
لم تكن نادية وحدها في ميادين البطولات، بل كانت بصحبة “رفيق روحها”. في أولمبياد سيدني 2000، بدأت قصة حبها مع زميلها صلاح، وفي أولمبياد أثينا 2004 حققت إنجازات كبيرة، حيث حصلت على ميدالية فضية، بينما حصل هو على ميدالية مع فريق الكرة الطائرة جلوس، مع تتويج علاقتهما بالزواج.
لكن الأمومة كانت لها الأولوية في لحظة حاسمة، مما جعلها تغيب عن بطولة العالم في عام 2006 لرعاية طفلها الرضيع. مع كبر “محمد”، عادت نادية للمشاركة في أولمبياد بكين 2008، حيث أحرزت ميدالية برونزية. ومع ذلك، لم تستطع المشاركة في أولمبياد لندن 2012 بسبب إنجاب طفلها الثاني اتخذت قضية والدتها التي رحلت عنها في 2015 صدمة كبيرة، حيث كانت الأم هي من حملت عبء إعاقتها.
في لحظة وداع الأم، كانت نادية في معسكر تدريب بينما كان زوجها يشارك في بطولة خارج مصر. فتحت أبواب الحزن في قلبها، فقد عانت من فقدان والدها في طفولتها، والآن فقدت أمها، ما جعلها تشعر بأنها فقدت جذورها.
في خطوة غير تقليدية، قرر زوجها التخلي عن مشاركته في أولمبياد ريو دي جانيرو 2016 لرعاية الأطفال، مما أتاح لنادية الفرصة للاستمرار في مسيرتها. لكنها عادت خالية الوفاض من البرازيل، محملة بخيبة أمل، حيث لم تستطع التأهل للألعاب الأولمبية في طوكيو.
لكن الأمور تغيرت في باريس، بعد 16 عامًا من آخر تتويج لها في بكين. عادت نادية إلى المنصة في سن الـ50، وسط تصفيق الجمهور وفريقها الذي دعمها بحماس. لقد عاشت نادية العديد من التحديات، وتعلمت معنى الألم والصبر، حيث كانت والدتها شريكتها في كل لحظة، وأشقاؤها دعمها، وزوجها ظلها، وأبناؤها مصدر فخرها. وفي كل مرة فكرت في الاستسلام، كانت تجد يدًا تمتد نحوها، وقلبًا يساندها ويشجعها على المضي قدمًا.