التحولات المتباينة في سوق العقارات السكنية: من ركود الرياض إلى زخم جدة والمدن المقدسة

التحولات المتباينة في سوق العقارات السكنية: من ركود الرياض إلى زخم جدة والمدن المقدسة

اتجاهات سوق العقارات السكنية في المملكة العربية السعودية

شهدت سوق العقارات السكنية في السعودية تبايناً ملحوظاً خلال الاثني عشر شهراً الماضية بين المدن الرئيسية. حيث أظهرت الرياض انتعاشاً أقل، بينما حققت جدة والمدن المقدسة (مكة والمدينة) نمواً ملحوظاً في قيم وأحجام الصفقات العقارية. هذه الفروقات تثير تساؤلات حول أسباب التغيرات الحالية، مستقبل السوق، وتأثير القوانين الجديدة التي تخص ملكية الأجانب.

مسار سوق العقارات السكنية

أفادت شركة Knight Frank بأن الرياض سجلت انخفاضاً ملحوظاً في أحجام معاملات العقارات وقيمها بنسبة 31% و20% خلال العام الماضي. ويرجح فيصل دوراني، الشريك ورئيس قسم الأبحاث في Knight Frank Mina، أن هذا التباطؤ يعود إلى ارتفاع اسعار العقارات بمعدل يفوق زيادة الدخل. فقد تضاعفت أسعار الشقق تقريباً منذ عام 2019، كما ارتفعت أسعار الفلل بأكثر من 50%، بينما لم تتماشى رواتب المواطنين مع هذه الزيادة، مما أحدث فجوة في القدرة الشرائية.

في المقابل، ارتفعت نسبة تملك المنازل في المملكة من 44% عام 2016 إلى حوالي 65.5% حالياً، وهو ما أدى إلى تقليص عدد المشترين الجدد. كما ساهمت الخطط الحكومية لتوفير أراضٍ بأسعار معقولة، مثل الأراضي شمال الرياض التي تُباع بسعر 1,500 ريال للمتر، في دفع المشترين نحو التروّي في انتظار ما ستقدمه شركات التطوير.

وفيما يتعلق بمستقبل السوق، يبدو أن الطلب يدعم النمو على المدى الطويل بفضل التركيبة السكانية الشابة، حيث يشكل الأفراد الأقل من 30 عاماً نحو 60% من السكان. ومع ذلك، يبقى التحدي المتمثل في القدرة على التحمل المالي عائقاً رئيسياً، حيث تشير التوقعات إلى أن 40% من السعوديين يواجهون صعوبة في شراء منازل تتجاوز قيمتها 1.5 مليون ريال، وهو مبلغ قد لا يلبي احتياجاتهم في الرياض.

على الجانب الآخر، حققت جدة نمواً ملحوظاً، حيث ارتفعت قيم المعاملات العقارية بنسبة تقارب 30% وزادت الأحجام بنحو 20%. يعود السبب في ذلك إلى إزالة الأحياء القديمة في الجنوب والتحول نحو الشمال حيث تتواجد المشاريع الحديثة ذات الجودة والأسعار المعقولة. كما ساهمت الهجرة من مدن قريبة مثل مكة وأبها في تعزيز النشاط العقاري في جدة.

أما بالنسبة لمكة والمدينة، فقد شهدت المدينة المنورة زيادة بنسبة 49% في قيمة مبيعات المنازل، مما يعكس مكانتها الدينية التي تجذب المستثمرين والراغبين في تملك مساكن دائمة. كما تعزز مشاريع كبرى مثل “رؤى المدينة” التحول الحضاري في المدينة، مما يدعم الطلب على الاستثمار.

مع اقتراب تطبيق قوانين ملكية الأجانب في يناير المقبل، يتوقع أن تُفتح افاق جديدة للمستثمرين. تشير التجارب الدولية إلى أن فتح السوق أمام الأجانب في مناطق معينة يمكن أن يؤدي إلى ارتفاع أسرع في الأسعار. ومع ذلك، من الضروري توفير حماية للمستثمرين الدوليين لتعزيز الثقة.

تشير التوقعات إلى إمكانات تنمية الاستثمار في الشقق السكنية في كل من الرياض وجدة ومكة والمدينة. ويبدو أن سوق العقارات السكنية في المملكة يتهيأ لتحقيق توازن بين الأسعار وقدرة الأفراد على الشراء، خصوصاً في سياق تحقيق أهداف رؤية 2030 التي تهدف لزيادة نسبة تملك المنازل إلى 70%. لذا، يتوقف نجاح هذه المرحلة على مدى توافق التشريعات مع تطلعات المستثمرين وتلبية احتياجات السكان الشباب.

Comments

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *