تحديات التمويل في التعليم: دروس من تجارب عالمية

تُعتبر الجامعات الحكومية في الأقاليم جزءًا حيويًا من نظام التعليم العالي في أي بلد، حيث أُنشئت لضمان العدالة في التعليم وتوفير فرص متكافئة للطلاب خارج المدن الكبرى. لكن هذه الجامعات تواجه أزمة مالية خانقة تتجاوز التحديات الإدارية وسوء التخطيط، لتصل إلى عمق اقتصاداتها وبنيتها الأكاديمية. تُظهر الحقائق الحالية وجود مشاكل اقتصادية متراكمة لا يمكن تجاوزها بخطابات تحفيزية أو انجازات فردية، بل تتطلب رؤية اقتصادية شاملة تضع الجامعات ضمن استراتيجية تمويل مستدام.
من منظور اقتصاديات التعليم، لا يمكن قياس فعالية الجامعات فقط من خلال قدرتها على تحقيق الأرباح أو التوازن المالي، بل يجب أن تتضمن أيضًا قدرتها على إنتاج المعرفة وتوليد رأس المال البشري وتعزيز التنمية الإقليمية، حيث تُعتبر هذه الفوائد ذات قيمة عامة تتطلب تدخل الدولة في تمويلها. ومع ذلك، تواجه الجامعات الحكومية في الأقاليم تحديات اقتصادية تتمثل في فرض رسوم دراسية منخفضة لأسباب اجتماعية بينما ترتفع تكاليف التشغيل، بالإضافة إلى التزامات مالية مشابهة لتلك التي تواجهها المؤسسات التجارية.
تتفاقم الأزمة بفتح جامعات لبعض البرامج وفق احتياجات المجتمع المحلي، والتي تواجه قلة الإقبال المالي، مما يزيد من الأعباء المالية على هذه الجامعات. كما تعاني الجامعات من صعوبة جذب الطلاب العرب والأجانب بسبب موقعها البعيد عن العاصمة والمراكز التجارية، مما يؤثر سلبًا على مصادر دخلها.
على الجانب البشري، تخضع الجامعات الحكومية لقوانين تعيين تؤدي إلى تثبيت الأكاديميين والموظفين في الموازنة، بينما تستطيع الجامعات الخاصة التكيف مع الطلب من خلال عقود مؤقتة. هذا يُثقل كاهل الجامعات الحكومية بزيادة في الرواتب والتعويضات، ما يمنعها من إعادة هيكلة أو تخفيض النفقات. كما تؤدي زيادة عدد المتقاعدين إلى تفاقم التزامات نهاية الخدمة والتأمين الصحي، مما يعزز الأعباء على الميزانية.
تتكبد الجامعات أيضًا ضرائب ورسوم وضمان اجتماعي وفواتير طاقة ومياه، بينما تتأخر الدولة في دفع مستحقاتها، مما يُجبر الجامعات على اللجوء إلى قروض قصيرة الأجل ويزيد من تكاليفها.
تظهر هذه الحالة أن المشكلة ليست في إدارة الجامعات بل في هيكل التمويل العام الذي لم يأخذ طبيعة هذه المؤسسات الخدمية بعين الاعتبار. لقد وجدت دول عديدة حلولًا مشابهة، حيث دعمت تركيا الجامعات الإقليمية بميزانيات سنوية، بينما اعتمدت ماليزيا نموذج التمويل المشترك بين الدولة والقطاع الخاص. كما طورت العديد من الجامعات في الاتحاد الأوروبي آليات تمويل تنافسية تعتمد على مؤشرات الأداء.
تُظهر هذه التجارب أن الحلول الفردية ليست كافية دون تحسين إطار التمويل. يجب دمج هذه الجامعات ضمن سياسة تمويل عام مستدام مع تخصيص دعم مالي ثابت وت diversifying مصادر دخلها عبر الشراكات البحثية والاستثمار في المشاريع الصغيرة. يجب إعادة تقييم البرامج الجديدة وفق دراسات جدوى اقتصادية، بحيث تتوازن بين خدمة المجتمع والاستدامة المالية. إن ترك الجامعات الحكومية في الأقاليم تواجه عجزًا متزايدًا يؤثر سلبًا على دورها الأكاديمي وجوانبها التنموية.
### أزمة التمويل في الجامعات الحكومية بالأقاليم
تفرض الضرورة المالية نفسها للحفاظ على العدالة التعليمية والتنمية المتوازنة، حيث إن أي تراجع في أداء هذه الجامعات يعمق الفجوة بين المراكز والأطراف، مما يُضعف قدرة المجتمع على إنتاج رأس المال البشري المؤهل.
### الواقع المالي للجامعات الحكومية
تحتاج الجامعات في الأقاليم إلى استراتيجيات مالية تدعم استمرارها وتعزز دورها الاجتماعي، فالقضية تتجاوز الأزمة المالية لتكون مرتبطة بقضايا تنموية تتطلب حلولًا جذرية وشاملة.
تعليقات