العقوبات والتكنولوجيا وأشباه الموصلات والمعادن النادرة وسلاسل التوريد أصبحت أدوات فاعلة في الحرب الحديثة. تلعب الصين وروسيا والاتحاد الأوروبي أدوارًا أساسية في هذا النظام الجديد.
لم يعد الاقتصاد العالمي بيئة محايدة تُحكم فقط بقوانين السوق الحرة. في ظل تصاعد التوترات الجيوسياسية بين الولايات المتحدة والصين وروسيا، نشأ مفهوم “تسليح الاعتماد المتبادل”، الذي يعني استخدام الروابط الاقتصادية والتجارية كوسائل ضغط لتحقيق أهداف سياسية وأمنية.
هذا التحول في العلاقات الدولية يشير إلى أن العولمة، التي كان يُعتقد أنها تعزز التكامل والازدهار، تسببت في هشاشة متبادلة، حيث يمكن لأي طرف أن يعيق سلاسل التوريد أو يحد من الوصول إلى التكنولوجيا أو يحرمان من الموارد الحيوية.
في التسعينيات وبداية الألفية، كان يُعتقد أن العولمة ستؤدي إلى نظام اقتصادي أكثر سلامًا، لأن الحروب ستصبح باهظة التكلفة. لكن الواقع أظهر أن الاعتماد المتبادل يمكن أن يُستخدم كأداة للإكراه. صاغ الأكاديميان هنري فاريل وأبراهام نيومان هذا المفهوم، مبينين كيف استخدمت الولايات المتحدة هيمنتها في الشبكات المالية والتكنولوجية للضغط على الخصوم. على سبيل المثال، الدولار الأمريكي يُستخدم في حوالي 88% من المعاملات التجارية الدولية، مما يمنح الولايات المتحدة القدرة على عزل الدول عن النظام المالي العالمي.
تُعد العقوبات المالية أحد أبرز أدوات “التسليح الاقتصادي”. منذ أحداث 11 سبتمبر، زادت الولايات المتحدة من استخدام العقوبات، مستهدفة الأفراد والتنظيمات ثم الدول، مثل إيران وكوريا الشمالية وروسيا. هناك أكثر من 10,000 كيان حول العالم خاضع لعقوبات أمريكية.
تلعب التكنولوجيا وأشباه الموصلات أيضًا دورًا مهمًا، حيث تُعتبر “نفط العصر الرقمي”. تتحكم تايوان في أكثر من 60% من إنتاج الرقائق المتقدمة، واستغلت الولايات المتحدة هذا التركّز للضغط على الصين، لكن هذا دفع بكين نحو تعزيز سلاسل التوريد المستقلة.
تحتكر الصين إنتاج المعادن النادرة، والتي تعد حيوية لصناعات مختلفة بما في ذلك السيارات الكهربائية والطاقة المتجددة، وقد استخدمتها كأداة ضغط ضد دول مثل اليابان والولايات المتحدة. سلاسل التوريد أظهرت أيضًا هشاشتها خلال جائحة كوفيد-19، حيث أُثرت الصناعات العالمية بسبب إغلاق المصانع في الصين.
الولايات المتحدة استفادت لعقود من موقعها المهيمن، ولكن الاستخدام المفرط لهذه القوة جعل الدول الأخرى تبحث عن بدائل، مثل الصين التي طورت نظام دفع دولي خاص بها وروسيا التي أنشأت نظام تحويلات بديل.
النتيجة هي زيادة في الانقسامات والتوترات الاقتصادية، حيث بدأت العولمة تتفكك، مما أدي إلى ظهور تكتلات اقتصادية جديدة. كل قوة كبرى تسعى للاستقلال التكنولوجي، ومع ذلك، فقد باتت الشركات متعددة الجنسيات تواجه تحديات متزايدة.
عالم اليوم يبدو أنه يتجه نحو “حرب باردة اقتصادية” حيث تبرز الأسلحة الاقتصادية كأدوات جديدة للهيمنة. الخطر الذي يواجه الولايات المتحدة هو الإفراط في استخدام هذه الأدوات، مما دفع الآخرين لبناء أنظمة بديلة.
اترك تعليقاً