إدارة الحملات الانتخابية بين التخطيط الاستراتيجي والأخطاء القاتلة - عرب فايف

0 تعليق ارسل طباعة

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
إدارة الحملات الانتخابية بين التخطيط الاستراتيجي والأخطاء القاتلة - عرب فايف, اليوم الأحد 4 مايو 2025 07:32 مساءً

في عالم الانتخابات، لا يكفي أن يمتلك المرشح برنامجًا قويًا أو حضورًا جماهيريًا مؤثرًا، فالنصر غالبًا ما يُحسم خلف الكواليس، وقد تكون كيفية إدارة الحملة الانتخابية هي العامل الحاسم بين النصر والهزيمة، وقد أظهرت تجارب انتخابية متعددة، في دول كبرى مثل الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، وفرنسا أن الأخطاء التنظيمية والاستراتيجية يمكن أن تطيح بآمال مرشحين كانوا الأوفر حظًا والأقرب للفوز. هذه القاعدة لا تنطبق فقط على الانتخابات الرئاسية أو البرلمانية، بل تمتد إلى النقابات المهنية والاتحادات العمالية.

في كتاب Campaigns and Elections: Rules، Reality، Strategy، and Choice للمؤلفَين جون إس. جاكسون وكيفن بي. سميث، تُعَرَّف الحملة الانتخابية بأنها "سلسلة من الأنشطة المنظمة والمُخطط لها لدعم مرشح سياسي في الانتخابات". وتُعد الحملة عملية ديناميكية تتطلب تكيّفًا مع التغيرات المتسارعة في الرأي العام والسياقات السياسية والاجتماعية.

وتُعد الأخطاء الاستراتيجية من أبرز الأسباب التي تقود إلى فشل الحملات الانتخابية، كأن يتم تجاهل شرائح تصويتية مهمة، أو تجاهل قضايا تشغل الرأي العام، أو تقديم خطاب لا يتماشى مع أولويات الجمهور المستهدف، مما قد يُضعف موقف المرشح لصالح منافسيه.

في 12 أبريل 2015، أعلنت هيلاري كلينتون انطلاق حملتها الانتخابية للسباق الرئاسي الأمريكي من خلال فيديو نُشر عبر الإنترنت، مدعومًا بموارد مالية وإعلامية ضخمة. ومع ذلك، تعرّضت الحملة لاحقًا لانتقادات واسعة بسبب تركيزها غير المتوازن على ولايات تقليدية، وإغفالها ولايات متأرجحة حاسمة مثل ميشيغان وويسكونسن وبنسلفانيا. وقد أشارت تقارير عديدة إلى أن هذا التجاهل ساهم في تقليص فرص فوزها أمام دونالد ترامب، وفقًا لما ذكرته صحيفة "نيويورك تايمز" في تقريرها عن استراتيجية كلينتون في 2016. وفي 8 نوفمبر 2016، حصد دونالد ترامب أصوات تلك الولايات المتأرجحة بفارق ضئيل، وفاز بـ304 أصوات في المجمع الانتخابي مقابل 227 لكلينتون، رغم أنها تفوقت عليه في التصويت الشعبي.

وفي مثال آخر، بدأ آل جور حملته الانتخابية للرئاسة الأمريكية ضد جورج بوش الابن في يونيو 1999. وشهدت الحملة لحظات احتدام شديدة، خصوصًا في ولاية فلوريدا. وسقطت الحملة في مشاكل تنظيمية أدت إلى تضارب في الرسائل بين المقرات المركزية والولايات المختلفة، وقد أشار تحليل نُشر في Political Science Quarterly إلى أن الحملة افتقرت إلى التنسيق الداخلي، ما أدى إلى ضعف في الأداء الميداني وتراجع القدرة على الحشد والتأثير في بعض الولايات الحاسمة، مثل فلوريدا، التي كانت عامل الحسم في النتيجة النهائية.

وعلى الرغم من تفوق آل جور في التصويت الشعبي بنسبة 50.9% مقابل 47.9% لبوش، فإن الأخير فاز في المجمع الانتخابي بعد أن نال 271 صوتًا مقابل 266، بفعل نتائج فلوريدا التي حسمتها المحكمة العليا الأمريكية في نهاية المطاف، وفقًا لتقارير "واشنطن بوست" في ذلك الوقت.

في أبريل 2011، أعلن ميت رومني ترشحه لمنافسة باراك أوباما على الرئاسة. وفي سبتمبر 2012، سُرب فيديو لتصريح في اجتماع قال فيه إن "47% من الأمريكيين سيصوتون لأوباما لأنهم يعتمدون على الحكومة". وقد أثار هذا التصريح موجة انتقادات حادة، إذ اعتُبر إهانة لشرائح واسعة من الناخبين الأمريكيين، وأسهم بشكل ملموس في تراجع شعبيته في الأسابيع التالية، وفقًا لتقارير فرانس 24. وفي 6 نوفمبر 2012، فاز أوباما بولاية رئاسية ثانية، جامعًا 332 صوتًا في المجمع الانتخابي، مقابل 206 لرومني، رغم أن الأخير كان قد تفوق في بعض الولايات المؤثرة في البداية.

في 15 فبراير 2012، أعلن الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي ترشحه رسميًا لولاية ثانية في مواجهة الاشتراكي فرانسوا هولاند.وخلال حملته، سعى إلى كسب قاعدة الجبهة الوطنية عبر تبني خطاب أكثر تشددًا بشأن قضايا الهجرة، وهو ما اعتبرته بعض الصحف الفرنسية تحوّلًا استراتيجيًا لإرضاء الناخبين اليمينيين. لكن هذه المقاربة أدت إلى عزوف بعض الناخبين الوسطيين الذين كانوا قد دعموه في 2007، وأسهمت في تراجع فرصه أمام هولاند، كما ذكرت لوموند الفرنسية. وفي الجولة الثانية من الانتخابات، التي جرت في 6 مايو 2012، فاز هولاند بنسبة 51.64% من الأصوات، بينما حصل ساركوزي على 48.36%.

لا تقتصر إدارة الحملات على السياسة العامة فحسب، فالحملات النقابية تتطلب قدرًا كبيرًا من التنظيم والدراية. فنجاح الحملة النقابية مرهون بفهم بنية الكتل التصويتية داخل النقابة، وتحديد المطالب الجوهرية للأعضاء، سواء كانت اقتصادية أو اجتماعية، ثم توجيه الخطاب النقابي بما يتناسب مع هذه الأولويات. كما ينبغي أن تتسم الرسالة النقابية بالمرونة والقدرة على التكيف مع تطورات الواقع السياسي والاقتصادي، وكذلك مع تحركات المرشحين المنافسين. فالإخفاق هنا لا يعود فقط على المرشح بل ينعكس على بنية النقابة وقدرتها على التفاوض مستقبلًا.

لتحقيق النجاح، ينبغي تحديد الجمهور المستهدف بدقة، وصياغة رسالة انتخابية واضحة وجذابة تعكس شخصية المرشح ومبادئه. ويجب أن تشمل استراتيجية التواصل، الأدوات التقليدية كالإعلام المرئي والمطبوع، إضافة إلى المنصات الرقمية التي أصبحت ساحة حيوية للتأثير في الرأي العام.

ويُعد الانضباط التنظيمي داخل فريق الحملة شرطًا أساسيًا، من خلال وجود هيكل إداري مرن وواضح يتيح تقسيم المهام بكفاءة، وتحليل بيانات الناخبين واستطلاعات الرأي بشكل دوري لتعديل الاستراتيجيات حسب المستجدات.

في نهاية المطاف، تُعتبر إدارة الحملة الانتخابية فنًا معقدًا يتطلب توازنًا دقيقًا بين التخطيط الاستراتيجي، والانضباط الإعلامي، والمرونة في اتخاذ القرارات. ورغم أن بعض الأخطاء قد تبدو بسيطة أو محدودة الأثر، فإن تراكمها يمكن أن يُعرّض الحملة لخسارة كبرى، كما شهدنا في العديد من الحملات الانتخابية حول العالم. إن الدروس المستفادة من هذه التجارب لا تقتصر على المرشحين فقط، بل تمتد أيضًا لتكون مرشدًا للناخبين والمحللين السياسيين لفهم كيفية صناعة الفرص أو هدمها في الساحة السياسية والنقابية. وبالتالي، يصبح من الضروري أن تتحلى الأطراف جميعها بوعي استراتيجي مستمر لضمان النجاح والتقدم في معركة الانتخابات.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق