لا تقتصر تجربة الزبائن في «كافيه 21» بمركز الغرير للتسوق في دبي على ارتشاف القهوة، واكتشاف قائمة الحلويات والمخبوزات فحسب، بل على الغوص في بحر الاكتشافات الفريدة، وملامسة جوهر الإنسانية، لأنها تعكس تجربة استثنائية بكل المقاييس، تحت إدارة فريق عمل من ذوي «متلازمة داون»، يشرف على إعداد المشروبات وتقديمها، ليتحول كل فنجان قهوة إلى رسالة أمل تشهد على قدرة أصحاب الهمم على تحقيق التميز عندما تتوافر لهم فرص الدعم والتطوير.
جهود ودعم
في كل زاوية من هذا المقهى، قصة نجاح لا تنسى، فمن «الباريستا» الذي يتقن فن القهوة، و«الكاشيرة» التي تنثر الطاقة الإيجابية، مروراً بفريق ضيافة المقهى الفريد وزبائنه المغادرين بقلوب أكثر إشراقاً، تتوج مساعي حثيثة، بهمم لا تعرف المستحيل، وسنوات من التدريب والإعداد، كرستها رؤية جمعية الإمارات لمتلازمة داون الراسخة، التي آمنت منذ البداية، بأن العمل حق مشروع، وأن الإعاقة ليست عائقاً بل محفّزاً لبناء مجتمع أكثر احتواء وإنصافاً للجميع، وأن النجاح الأجمل هو ذاك الذي يفتح الباب أمام الآخرين ليكونوا جزءاً فعالاً وأساسياً منه.
دعم غير مسبوق
حول تجربة هذا المشروع، أكدت أمين سر جمعية الإمارات لمتلازمة داون، عالية حسين، أن مشروع «كافيه 21» يعد تتويجاً لجهود الجمعية في تأهيل وتوظيف أصحاب الهمم، مشيرة إلى أن هذه المبادرة، تعد محصلة لسنوات من العمل والتخطيط والتدريب، بالشراكة مع مؤسسات وجهات خارجية، بهدف ضمان الدمج المستدام لهؤلاء الشباب في سوق العمل.
وأوضحت أن البداية كانت قبل سنوات، من خلال التعاون مع عدد من الجهات مثل الفنادق و«أكاديمية الإمارات لإدارة الضيافة»، حيث تم تدريب الشباب أصحاب الهمم وإعدادهم للعمل في مجال الضيافة، والتأكد من مدى رغبتهم في الاستمرار في هذا المجال، مضيفة: «لاحظنا الإقبال الكبير والحماسة التي أبداها الشباب، ففكرنا في تحويل هذه الجهود إلى مشروع مستدام، ومن هنا جاءت فكرة (المطبخ الإبداعي)، بدعم من (دي بي ورلد)، فيما كان حفل افتتاح المشروع بحضور مدير عام هيئة تنمية المجتمع حصة بنت عيسى بوحميد». وأضافت «انطلاقاً من هذه التجربة الناجحة، بدأنا بالتوسع، وتحويل هذا المشروع إلى أكاديمية، وفي عام 2023، تحول (المطبخ الإبداعي) إلى (أكاديمية الإمارات لمتلازمة داون للضيافة)، التي بدأنا من خلالها، بتدريب الشباب بشكل نظامي، بهدف إنشاء خطوط إنتاج تؤهلهم للعمل في قطاع الضيافة».
أول خط إنتاج
وأشارت عالية حسين إلى أن الجمعية أطلقت أول خط إنتاج فعلي في عام 2024 خلال فعاليات «إكسبو أصحاب الهمم»، حيث تزامنت البداية مع إطلاق منتج «الكوكيز» كخطوة تجريبية لقياس تفاعل الجمهور، مؤكدة أن «التفاعل كان كبيراً، والإقبال فاق التوقعات، ما دفعنا لإطلاق المزيد من المنتجات».
وحول تفاعل المجتمع، قالت «الجميع كان فرحاً بهذا الإنجاز، وبادر كثيرون إلى زيارة المقهى الجديد، حتى إن أحد المؤثرين أخبرنا أنه جاء قبل يوم للتصوير وعاد اليوم مجدداً للغرض نفسه، تعبيراً عن إعجابه بالمكان ونجاح هذه الفكرة، التي أعطتنا دافعاً قوياً للتوسع دون تردد».
قيمة معنوية
من جهته، تحمس الباريستا، سونيل سوبيدي، في وصف سعادته بالانضمام إلى فريق عمل «كافيه 21» قائلاً: «بكثير من السعادة، أتذكر لحظة لقائي الأول بصاحب هذا المشروع الذي حدثني عن فكرة المقهى الجديد الذي سيكون تحت إدارة فريق من ذوي متلازمة داون، ومفاجأتي آنذاك بأنني سأكون جزءاً من هذه التجربة التي وإن كنت منشغلاً بكيفية إنجاحها، إلا أنني تحمست على الفور لخوضها دون أي تردد أو تفكير، وذلك، من منطلق قناعتي بقيمة دعم جهود هذا المشروع الذي يدمج هذه الفئة المجتمعية المهمة، في معترك الحياة العملية وحرصي على إضافة قيمة معنوية لتجربتي المهنية».
وتابع سونيل: «يحدوني شعور بالفخر بنجاح فريقنا في تكريس حضوره الفاعل في المقهى، وقدرته الفائقة على استيعاب تفاصيل التجربة والتعلم بسرعة لإتقان مختلف المهام، خصوصاً إعداد أنواع القهوة وتقديمها للزبائن الذين يتوافدون يومياً لخوض هذه التجربة الجميلة معهم، معبرين عن سعادتهم ودهشتهم بنجاح الفريق وجدارته، متمنين أن تعمم هذه التجربة في كل مكان في الإمارات».
طاقة إيجابية
أما الكاشيرة، أكيا باربرون، فلفتت إلى أجواء السعادة التي يبثها فريق المقهى كل يوم ليس بين الزبائن فحسب، وإنما بين أعضاء فريق عمل المقهى، ما يرفع جاهزيتهم وقدرتهم على خدمة الزبائن في ظروف محفزة، مفعمة بالفرح والطاقة الإيجابية، قائلة «بابتسامتهم الدائمة، يمنحنا أصدقاؤنا هنا سعادة وأملاً دائمين، ويبثون فينا النشاط عبر طاقتهم المتجددة، وقدرتهم الكبيرة على تحمل أعباء العمل بجدية وإخلاص، والتزام لا مثيل له»، مؤكدة مقدرتهم في العمل بشهادة رواد المكان الذين أبدوا اندهاشهم بجدارتهم، ما جعل المقهى محط اهتمام الجمهور، وعدد واسع من المشاهير ورواد التواصل الاجتماعي.
إيمان بالقدرات
مصادفةً، التقت «الإمارات اليوم» زوجة مالك «كافيه 21»، حيث كانت جالسة بين زبائن المقهى، مبتسمة ومساندة، حريصة على دعم ابنها «كيرتي»، ومتابعة مشوار نجاحاته في دخول سوق العمل، وقالت: «سعيدة بمظاهر الضيافة الراقية التي قدمها لنا فريق المقهى، وفخورة بهذه الخطوة الرائعة، التي نحتفي فيها بنجاحات أبنائنا، ونشهد تمكينهم وارتقاءهم لخوض تجربة العمل.. إنها مبادرة ملهمة تمنحنا جميعاً دروساً إنسانية عظيمة في الاحتواء والدمج والإيمان بالقدرات».
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news
0 تعليق