حذّر أطباء متخصصون من التجاهل أو التهاون في التعامل مع نوبات الحُمّى المتكررة لدى الأطفال، وأكدوا أنها تشير إلى وجود مشكلات صحية خطرة تستدعي التشخيص الدقيق والتدخل المبكر، وقالوا إن معظم الأطفال يُصابون بالحُمّى ثلاث إلى ست مرات سنوياً نتيجة عدوى فيروسية بسيطة، تزول تلقائياً ولا تستدعي القلق، لكن بعض الحالات يستوجب تقييماً طبياً شاملاً، خصوصاً التي تستمر فترة الإصابة فيها لأكثر من خمسة أيام، أو تظهر بشكل متكرر دون سبب واضح، إذ تكون علامة مبكرة على اضطرابات مناعية أو أمراض وراثية أو أورام والتهابات مزمنة.
وقالو لـ«الإمارات اليوم» إن هناك سبعة أسباب أكثر شيوعاً للحُمّى المتكررة، كما نوهوا إلى ضرورة اللجوء إلى فحوص متقدمة، تشمل اختبارات مناعية ووراثية، في أربع حالات محددة، وذلك للاشتباه بوجود متلازمات الحُمّى المتكررة أو الدورية.
وأوضحوا أن الحُمّى تكون غير طبيعية في أربع حالات، أبرزها إذا استمرت أكثر من ثلاثة إلى خمسة أيام، وكانت مصحوبة بأعراض مقلقة، وأكدوا أن نحو خمسة إلى 10% من الأطفال الذين يراجعون أقسام الطوارئ تكون إصابتهم ناتجة عن عدوى بكتيرية خطرة، كما نبهوا إلى حالات نادرة تظهر فيها الحُمّى كاستجابة نفسية للقلق أو الضغوط، وتُعرف بـ«الحُمّى النفسية»، خصوصاً لدى المراهقين، وتتميّز بارتفاع في درجة الحرارة دون سبب عضوي ظاهر.
وشددوا على أن التطعيمات الأساسية في مرحلة الطفولة تُعد من أهم وسائل الوقاية، وأشاروا إلى وجود أكثر من 180 حالة طبية تُصنّف ضمن أمراض نقص المناعة الأولي، والتي قد تتسبب في نوبات حُمّى متكررة لدى الأطفال، ولفتوا إلى وجود أبحاث وتجارب حالية على العلاج الجيني لبعض هذه الحالات، وتوقعوا ظهور خيارات علاجية واعدة جديدة في المستقبل القريب.
أعراض مقلقة
وتفصيلاً، قال أخصائي طب الأطفال وحديثي الولادة، الدكتور داني السلوم، إن الحُمى تُعد من الأعراض الشائعة في مرحلة الطفولة، لكن حين تتكرر على فترات زمنية محددة، فإنها تُصنَّف طبياً كـ«حُمّى متكررة»، ويشترط لذلك حدوث ثلاث نوبات أو أكثر خلال ستة أشهر دون وجود عدوى ظاهرة تُفسّر السبب.
وأشار إلى أن الحُمّى تُعد خارج النطاق الطبيعي في أربع حالات، تشمل «تجاوز درجة الحرارة 38 مئوية، أو استمرار الحمى أكثر من ثلاثة إلى خمسة أيام، وإذا كانت تعود بشكل متكرر أو تتبع نمطاً غير معتاد، وإذا كانت مصحوبة بأعراض مقلقة مثل (الطفح الجلدي، آلام المفاصل، فقدان الوزن أو التعب الشديد).
وأوضح أن هناك سبعة أسباب أكثر شيوعاً للحُمّى المتكررة، تشمل «العدوى الفيروسية المتكررة، والتهابات اللوزتين والأذن والجيوب الأنفية، والتهابات المسالك البولية، خصوصاً لدى الأطفال الأصغر سناً، واضطرابات ذاتية التهابية نادرة مثل متلازمة «PFAPA» (حمّى دورية مع تقرحات الفم والتهاب العقد اللمفاوية البلعومية)، ومشكلات الجهاز المناعي أو أمراض المناعة الذاتية، وتُعد أقل شيوعاً، وحمى البحر الأبيض المتوسط العائلية (FMF)، وهي عبارة عن مرض وراثي شائع، والعوامل البيئية، مثل الرطوبة والتلوث ودخان التبغ، والتي تزيد من التهابات الجهاز التنفسي التي تُسبب الحُمّى».
اختبارات مناعية
وأشار إلى ضرورة اللجوء إلى فحوص متقدمة، تشمل اختبارات مناعية ووراثية، في أربع حالات، تشمل «تكرار نوبات الحُمّى أو استمرارها أشهراً عدة، وعدم وجود ظاهرة تُفسر سبب الحُمّى، ووجود التهابات مثل (طفح جلدي، تورم مفاصل، تقرحات فم، تعب مزمن، تأخر في النمو أو فقدان وزن)، ووجود تاريخ عائلي لأمراض وراثية، مثل حمى البحر الأبيض المتوسط».
وشدد على ضرورة التوجّه إلى أقسام الطوارئ حال لاحظ الأهل علامات خطرة، مثل «صعوبة في إيقاظ الطفل، أو نعاس مفرط، وصعوبة في التنفس، أو الامتناع عن شرب السوائل، وتشنجات، وظهور طفح جلدي أرجواني اللون، أو إذا كان يعاني تيبّساً في الرقبة».
وأكد استشاري طب الأعصاب للأطفال، الدكتور فيفيك موندادا، أن معظم الأطفال الصغار يُصابون بثلاث إلى ست نوبات من الحُمّى سنوياً، وفي معظم الأحيان يتمكن طبيب الأطفال من تحديد السبب بدقة، وأشار إلى أن نحو خمسة إلى 10% من الأطفال الذين يراجعون أقسام الطوارئ تكون لديهم عدوى بكتيرية خطرة.
وقال إن هناك أربعة أنواع من تصنيف الحمى، تشمل «الحُمّى المطوّلة»، و«الحمى غير معروفة السبب»، وتستمر أكثر من ثلاثة أسابيع بدرجة حرارة أعلى من 38.3 درجة مئوية دون تشخيص واضح رغم إجراء الفحوص، و«الحُمّى المتكررة» وتكون إما نوبة واحدة تتذبذب شدتها، أو نوبات متكررة، و«الحُمّى الدورية» وهي نوبات تستمر من أيام عدة إلى أسابيع.
وأوضح أن الحُمّى الناتجة عن عدوى فيروسية عادةً ما تترافق مع حالة صحية جيدة نسبياً بين النوبات، ولا تدعو للقلق، لكن في حال كانت الحُمّى طويلة الأمد أو متكررة بشكل واضح، فإنها قد تشير إلى حالات أعمق تستدعي تشخيصاً دقيقاً، بما في ذلك نقص المناعة، والأورام، أو الاضطرابات الالتهابية.
متلازمات الحُمّى
وأشار إلى أن الاشتباه بوجود متلازمات الحُمّى المتكررة يكون فقط عند حدوث ثلاث نوبات أو أكثر من الحُمّى غير المبررة خلال ستة أشهر، على أن تفصل بينها مدة لا تقل عن سبعة أيام، وتكون غالباً مصحوبة بأعراض أكثر تعقيداً، مثل: «التهاب العينين، والتهاب الحلق أو الأذن، واضطرابات الجهاز الهضمي، وطفح جلدي، وآلام في العضلات أو العظام، وأعراض عصبية تؤثر على الدماغ أحياناً»، وتتطلب إجراء فحوص متقدمة لتحديد الأسباب بدقة.
وأضاف أنه حال ظهور أعراض مقلقة، مثل «فقدان الوزن، والتعرق الليلي، وضعف النمو، وإسهال مزمن، وعدوى فطرية منتشرة (خصوصاً في الفم أو الجلد أو الأغشية المخاطية) فمن الضروري إجراء فحوص لتقييم جهاز المناعة وكشف المشكلات الكامنة»، ولفت إلى أن اضطرابات نقص المناعة نوعان «نقص مناعة أولي» يولد به الطفل نتيجة أسباب وراثية، و«نقص مناعة ثانوي» يُكتسب بسبب أدوية مثل الستيرويدات أو أدوية السرطان.
وأشار إلى أن هناك أكثر من 180 حالة طبية للحمى المتكررة تندرج وتُصنف ضمن نقص المناعة الأولي، ومن بينها «نقص المناعة المشترك الشديد (SCID)، ونقص المناعة المتغير الشائع (CVID)، والمرض الحبيبي المزمن، ومتلازمة ويسكوت-ألدريتش»، ولفت إلى أنه مع تقدم الطب، تُجرى حالياً في الوقت الراهن تجارب على العلاج الجيني لبعض هذه الحالات، وقد نشهد قريباً توافر خيارات علاجية واعدة.
التطعيمات الأساسية
وشددت اختصاصية طب الأطفال، الدكتورة جنان أبوزور، على أن التطعيمات الأساسية في مرحلة الطفولة من أهم وسائل الوقاية، وتسهم بشكل كبير في الحد من انتشار أمراض خطرة، مثل المكورات الرئوية، والإنفلونزا الموسمية، من خلال تحفيز الجهاز المناعي، وتقليل احتمالية الإصابة بالأمراض الحادة.
وأضافت أن هناك عوامل بيئية وسلوكية يمكن أن ترفع من احتمال تكرار الحُمّى، مثل سوء التغذية، وأكدت أهمية الرضاعة الطبيعية، التي تُعد من أهم العوامل التي تعزز مناعة الرضّع والأطفال، وتحميهم من أمراض شائعة.
ودعت الأهالي إلى التعامل مع الحُمّى المنزلية، من خلال قياس درجة الحرارة بدقة، واستخدام خافضات الحرارة الموصوفة من الطبيب، والانتباه لتغير سلوك الطفل، وطلب الاستشارة حال وجود أمر غير طبيعي للطفل.
من جانبها، أوضحت استشاري الطب النفسي للأطفال والمراهقين، الدكتورة لينة أميري، أن بعض الأطفال قد يعانون أعراضاً جسدية متكررة، مثل الحُمّى أو التعب أو آلام البطن، رغم عدم وجود سبب عضوي واضح، وفي مثل هذه الحالات، قد تكون الأعراض الجسدية انعكاساً لضغوط نفسية أو صعوبات عاطفية، حيث يلجأ الجسد إلى إطلاق «إشارات استغاثة» تعبر عن معاناة الطفل النفسية.
الحُمّى النفسية
وأوضحت أن ما يُعرف بـ«الحُمّى النفسية» هو حالة نادرة نسبياً في مرحلة الطفولة، لكنها تظهر بشكل أكثر لدى المراهقين، وغالباً ما تكون مرتبطة بالقلق أو الضغوط المزمنة أو صعوبة في تنظيم المشاعر، وتتميّز هذه الحالة بارتفاع طفيف في حرارة الجسم (عادةً بين 38.5 إلى 39 درجة مئوية)، دون وجود أي علامات للعدوى أو الالتهاب.
وأضافت أن الأعراض النفسية والجسدية الأكثر شيوعاً لدى الأطفال لا تقتصر على الحمى، بل تشمل آلام البطن المتكررة، والصداع، خصوصاً صداع التوتر أو الشقيقة، والتعب المزمن، والدوخة، وآلام الصدر، وأحياناً نوبات فقدان الوعي غير المرتبطة بأمراض عصبية، مثل النوبات النفسية غير الصرعية، التي تُلاحظ بشكل خاص في المراهقة.
وأضافت أن البيئة الأسرية والمدرسية تلعب دوراً حاسماً في الصحة النفسية للطفل، حيث إن الضغوط العائلية، والنزاعات، والقسوة، أو غياب الشعور بالأمان، إلى جانب التنمر أو التوتر الأكاديمي في المدرسة، قد تُشكل عوامل ضغط كبيرة تدفع الطفل للتعبير عنها جسدياً، قائلة: «فهم العلاقة بين النفس والجسد لدى الطفل هو خطوة أساسية نحو تقديم الدعم المناسب، ويكون العلاج شاملاً من خلال تبني نهج بيولوجي (نفسي-اجتماعي)، يشمل التوعية والعلاج النفسي عند الحاجة.
0 تعليق