في الآونة الأخيرة، بالغ بعض المتحمسين في رسم سيناريوهات تفترض حل حزب جبهة العمل الإسلامي، وإلغاء مقاعده النيابية، وإعادة توزيعها على الأحزاب الأخرى التي تجاوزت العتبة الانتخابية.
هذه العقلية اللاديمقراطية يتوجب الحذر من حساباتها، فالدولة بمؤسساتها تدرك أن الطريق الوحيد الذي يجب أن يسلك هو طريق القانون، الذي بموجبه حُظر نشاط الجماعة كتنظيم غير قانوني، دون أن يشمل الحزب السياسي المرخص الذي يعمل تحت مظلة الدستور.
في بلد يسعى إلى بناء دولة قانون حقيقية، لا يجوز استبعاد أي تيار فكري أو سياسي طالما يحترم القواعد الدستورية والقوانين، فجبهة العمل الإسلامي حزب قانوني حاز على أعلى نسبة من الأصوات وله أكبر كتلة برلمانية، وأي مساس به خارج الإطار القانوني سيكون طعنة وتعطيل للمسار الديمقراطي.
المنافسة يجب أن تبقى مفتوحة، نزيهة، وتحت مظلة القانون للجميع — كما شهدنا مؤخراً في النقابات المهنية حيث خسر التيار الإسلامي بالانتخابات أمام تحالفات مهنية وسطية الاتجاه، شارك فيها اليساريون والقوميون وإن كانت نتائجهم متواضعة.
تجربتنا في الأردن مختلفة تماماً عن نماذج الاستئصال التي حدثت في أماكن أخرى، ويحسب للتحول الديمقراطي ببلدنا تمسكنا بالتقاليد الدستورية منذ إنهاء الأحكام العرفية، فالعلاقة مع التيار الإسلامي وغيره من التيارات مرت بتقلبات صعبة وطبيعية، مع التزام الدولة بعدم القفز فوق القانون، وقد تم حل جمعية الإخوان بناءً على قرار قضائي، بعد رفضها تصويب أوضاعها، هذا الالتزام بالقانون هو ما يميز تجربتنا.
القرار المتعلق بحظر نشاط الجماعة، لم ولن يمتد تلقائياً للحزب القانوني، فالاتهامات بحق بعض الأفراد يجب التعامل معها كحالات فردية، ولا يجوز شيطنة حزب بأكمله إلا إذا ثبت تورط هيئاته القيادية بشكل واضح وقاطع — وهو أمر يجب أن يحسمه القضاء وحده، لا الرأي العام أو المزاج والرغائبيه السياسية.
سياسياً، من الخطأ الفادح أن نتصور أن تياراً اجتماعياً وفكرياً كبيراً يمكن "إزالته" بقرار، على العكس، يجب أن نحتضنه داخل الإطار الحزبي القانوني، ليبقى جزءاً من لعبة الديمقراطية، لا خارجها، نعم، مطلوب من الحزب أن يقطع مع ماضيه كذراع لتنظيم محظور، وأن يندمج في مشروع الدولة الوطنية الحديثة، وعلى أعضائه أن يختاروا: إمّا العمل السياسي تحت مظلة القانون، أو البقاء خارجه مع ما يحمله ذلك من عزلة وفشل.
كنا قد تابعنا في مراحل سابقة تحولات إيجابية في خطاب الحزب، تقترب من فكرة الدولة المدنية الوطنية، لكن سرعان ما كان يعود الخطاب القديم الذي يسبب القلق لبعض القوى والأطراف السياسية.
الدولة الحديثة تتسع للجميع تحت سقف الدستور والقانون، ولا يجب أن يكون هناك أي مشروع لإقصاء أو اجتثاث أي تيار سياسي، لهذا، من الأجدى أن تفتح الأبواب لكل التيارات للمشاركة في الحياة السياسية، إذا قبلت بالعمل العلني وضمن الأطر الشرعية، لترسيخ التنوع والتعدد السياسي، وتأكيداً على أن الدولة لا تُقصي أحداً بل تبني وطناً يتسع لكل أبنائه، دون تمييز أو إقصاء.
فالديمقراطية الحقيقية ليست ترفاً، واشكالياتها تحل بمزيد من آليات العمل الديمقراطي، وواجب الديمقراطيين، الدفاع عن التعددية السياسية في وجه الإقصاء، والاعتراف بالآخر، وتعزيز العمل المشترك من أجل الصالح العام.
* الكاتب محاضر ومدرب بالتمكين السياسي
أخبار متعلقة :