عرب فايف

من الدستور إلى الميدان: نداءٌ لحرية التنظيم العمالي ووحدة الصف النقابي #عاجل - عرب فايف

جو 24 :

كتب فارس متروك شديفات * 

يصادف اليوم عيد العمال العالمي، ونستلهم من هذه المناسبة ضرورة إعادة النظر في المشهد النقابي العمالي الأردني وتحدياته بشكل عام، ومن اهم قضايا الحركة العمالية قضية حرية التنظيم النقابي، التي تشكل أكثر من مجرد حق دستوري، فهي ركيزة لا غنى عنها لأي مشروع ديمقراطي تقدمّي يسعى لتحقيق العدالة الاجتماعية، ولأي نظام اجتماعي ديمقراطي يطمح إلى الاستقرار والعدالة.

تحتل حرية التنظيم النقابي مكانةً مركزيةً في صون الحقوق العمالية وضمان التمثيل الفعّال للطبقة العاملة، فقد أكد الدستور الأردني في مادته 16/2 على "حقّ الأردنيين في تأسيس الجمعيات والنقابات والأحزاب السياسية وفقاً لأغراضها القانونية وبطرق سلمية.

ورغم هذا النصّ الدستوري الصريح، فإنّ بنية القوانين التنفيذية تفرض قيوداً عملية تلتهم هذا الحقّ وتحدّ من فاعلية الحركة النقابية العمالية الأردنية.

لعلّ أبرز هذه القيود ما جاء في قانون العمل لسنة 1996، والذي يقيّد تأسيس نقابات جديدة داخل بيئات العمل، مانحاً الأولوية للاتحاد العام لنقابات عمال الأردن كممثلٍ وحيد للطبقة العاملة.

وهذه الأحادية في التمثيل تُشكّل احتكاراً عمليّاً، يُضيق فرص التنوع والتنافس السلمي الذي يغذي القدرة على الدفاع عن مصالح الأجور وظروف العمل.

أمّا على الصعيد الدولي، فتتعامل التشريعات الوطنية أحياناً بعجْزٍ عن مواكبة المبادئ الأساسية للاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها الأردن، كالحقّ في التنظيم وعدم التمييز.

وفي الواقع العملي، فان التشريعات الوطنية تمنح الاتحاد العام تفويضاً شبه مطلقٍ، في إعداد قوائم العمال وتسيير شؤونهم النقابية، ما يحوّل كثيراً من العمال إلى متفرّجين لا أكثر، وهنا يتجسّد التحدي الأكبر: كيف يمكن أن نبني نقابات عمالية حقيقية تتخطّى دورها التقليدي لتصبح منصّة دفاعٍ شعبيّة حقيقية؟

للإجابة على هذا السؤال الحيوي، تتضافر المسؤوليات وتتداخل الأدوار بين أطراف عديدة، في الميدان النقابي العمالي، وكل القوى الحية في بلدنا، واهمهم العمال أصحاب المصلحة الرئيسية، فهم العمود الفقري للعمل النقابي، ولذا عليهم تعزيز وعيهم بحقوقهم، وتوحيد جهودهم داخل القطاعات المختلفة، من الصناعة والخدمات إلى النقل والزراعة، للضغط من داخل بيئاتهم على منحهم حرية التشكّل، وحقهم بحرية التنظيم النقابي الذي يعبر عن مصالحهم وقضاياهم.

وتجدر الإشارة الى ان الأحزاب الديمقراطية والتقدمية وغيرها من الاحزاب، تعتبر من اهم الأطراف التي تقع على عاتقها، مهمة تبنّي قضايا الحريات النقابية والحقوق العمالية ضمن برامجها التشريعية والسياسية، ويتوجب عليها كما متوقع ومأمول منها، بالعمل مع كل الاطراف المعنية بهذه القضايا والمحاور، للمساهمة في دعم حرية التنظيم النقابي لصون الحقوق العمالية وضمان التمثيل الفعّال للطبقة العاملة، وعبر إقامة حوار فعال، وطرح مبادرات واوراق سياسات، مع الكتل النيابية لطرح مشاريع قوانين تعزز حرية التنظيم النقابي العمالي، وتلغّي الاحتكار وتخفف الشروط التعجيزية.

لا شك ان مؤسسات المجتمع المدني تقوم بدور مهم وفعال، وخاصة مؤسسات الدفاع عن حقوق الإنسان، التي يُنتظر منها دعم حرية التنظيم النقابي لصون الحقوق العمالية، وضمان التمثيل الفعّال للطبقة العاملة، ومراقبة أوضاع النقابات والإبلاغ عن أيّ تجاوز قانوني أمام الجهات المحلية والدولية، إلى جانب تقديم الدعم القانوني والتمكين بالمعارف والأدوات والمهارات للناشطين النقابيين العماليين في هذا المجال.

وفي ذات السياق لا بد من التنويه، الى ان فضاء الحوار الوطني يفترض ان يكون في مجلس الشعب/ النواب، فعلى أعضاء مجلس النواب، والكتل واللجان النيابية فتح حوار جادّ مع الحكومة لإعادة صياغة القوانين لتستجيب للقواعد الدستورية الأردنية، وضمان توافقها مع الالتزامات الدولية للأردن مع الاتفاقيات والمعاهدات الدولية، المتعلقة بحرية التنظيم النقابي، لصون الحقوق العمالية وضمان التمثيل الفعّال للطبقة العاملة.

ولعل من المناسب أن نؤكد على دور وأثر وسائل الإعلام المتعددة والمتنوعة المناصرة لقضايا وحقوق للعمال، والتي تُعدّ من وسائل الضغط المؤثرة؛ إذ تكشف عن الممارسات والسلبيات التي تحرم العمال من حقهم الدستوري، والقيود على حريتهم، وحقهم بتنظيم أنفسهم بتأسيس نقابات تُعبر عن مصالحهم وقضاياهم، وضمان التمثيل الفعّال للطبقة العاملة، ويرفع صوت العاملين حاملاً قضيتهم إلى الرأي العام، ويعمل على إشاعة ثقافة احترام الحق النقابي.

ونشير إلى أهمية النقابات المهنية الأردنية بمختلف قطاعاتها، فهي بيت الخبرة الأردني والرأسمال البشري المميز، لذا يعول عليها استمرار دورها الريادي والقيادي، لصالح الأغلبية من أبناء الشعب الأردني، بمساهمتها وتأييدها لإزالة القيود عن حرية التنظيم النقابي، ودعم الحقوق العمالية وضمان التمثيل الفعّال للطبقة العاملة، والاشتراك مع الاطراف الأخرى بتحليل السياسات المقترحة، وصياغة بدائل قانونية وفنية، وتنظيم حملات كسب تأييدٍ متخصصة تستهدف شريحة واسعة من الجمهور وصناع القرار.

وبناء على ما سبق فإنّ إزالة القيود عن حرية التنظيم النقابي، ودعم الحقوق العمالية وضمان التمثيل الفعّال للطبقة العاملة، لتأسيس وبناء نقابات عمالية حقيقية تتخطّى دورها التقليدي لتصبح منصّة دفاعٍ شعبيّة حقيقية، لا يتحقّق بمبادرة واحدة أو طرفٍ وحيد، بل هو ثمرة تضافرٍ مستمرّ بين كلّ العناصر الفاعلة.

فعندما تتحرك الأصوات النقابية مدعومة بقوةٍ جماهيرية وقانونية وسياسية واجتماعية متمثلة في الأحزاب ومؤسسات المجتمع المدني والإعلام، ستتغيّر قواعد اللعبة، وتُفتح آفاقٌ جديدة للحركة العمالية الأردنية ووحدتها، وجعلها شريكاً فاعلاً في تحقيق التنمية المستدامة وتعزيز العدالة الاجتماعية والتقدم الوطني.

عاش الأول من أيار، يوم العطاء والتضحيات، نرسل أسمى التحايا والتقدير لكل عمال الأردن، وإلى عمال فلسطين وغزة الصامدين تحت وطأة الاحتلال والقصف المتواصل، وإلى كلّ عاملٍ في أصقاع الأرض.

* الكاتب محاضر ومدرب بالتمكين السياسي والاقتصادي

أخبار متعلقة :