عرب فايف

الصدفة في حياة صلاح.. من نجريج إلى المتحف البريطاني - عرب فايف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الصدفة في حياة صلاح.. من نجريج إلى المتحف البريطاني - عرب فايف, اليوم الجمعة 2 مايو 2025 03:01 مساءً

في بلدة صغيرة، شمال العاصمة المصرية، ولد محمد صلاح لوالدين متوسطي الدخل، يعشق كرة القدم، مثل والده، ويفضل تقليد البرازيلي رونالد، والفرنسي زين الدين زيدان، بيد أنه على الدراسة، لم يكن يفكر يومًا بأنه قد يشغل أوروبا بأكملها.
ما حدث بين 2010 و2015، يعد أمرًا مذهلًا، يصعب وصفه بسهولة، سلسلة من الصدف حولت الطفل الصغير، أشعث الشعر، إلى أسطورة الأنفيلد، التي لن تتكرر بسهولة.
قبل نحو شهر، بدا أن صلاح سيرحل عن الأنفيلد لا محالة، عندما قال: «أريد من الجماهير أن تتذكر أنني قدمت كل ما لدي لهم وللمدينة. لم أكن كسولًا بل قدمت كل شيء، واستمتعت بلعب كرة القدم»، كان من الطبيعي أن يفسر المشجع العادي أنها رسالة وداع، وأن الأمور لا تسير على ما يرام مع واحد من أميز الهدافين، الذين مروا على النادي، إن لم يكن أفضلهم.
ولكن، ودائمًا ما بعد «ولكن» عكس ما قبلها، أعلن ليفربول عن تجديد عقد صلاح لعامين آخرين، بات الآن هناك فرصة للنجم المصري بأن يفوز بدوري أبطال أوروبا للنخبة، بعد أن غادر النسخة الأول، عقب أن فشل في تقديم أداء يُذكر ضد باريس سان جيرمان في مباراتي دور الـ 16، حاليًا، عوضهم بلقب بطولة الدوري، ليضع الريدز على القمة مجددًا.
المفاوضات المتعثرة، التي استمرت إلى ثمانية أشهر، سارت بشكل جيد في نهاية المطاف، وتوصل الطرفان إلى صيغة أسعدت جماهير النادي، وأولهم مكة، بنت صلاح، التي لم تكن ترغب في مغادرة ليفربول من البداية.
استمتع صلاح، البالغ من العمر 32 عامًا، حتى الآن، بحملة فردية مذهلة، حيث سجل 17 هدفًا، و13 تمريرة حاسمة بالدوري، ليساعد ناديه في بناء حملة ناجحة لاستعادة اللقب الأهم.
لعب صلاح أدوارًا رئيسة في فوز ليفربول بلقب الدوري الإنجليزي الممتاز، موسم 2019ـ2020 وانتصارهم في دوري أبطال أوروبا عام 2019، وفازوا بكأس الاتحاد الإنجليزي 2022، وكأس كاراباو 2022 و2024، وكأس السوبر الأوروبي 2019، وكأس العالم للأندية 2019 خلال فترة وجوده في أنفيلد، لهذا كان من الصعب على ملاك النادي التفريط فيه، حتى ولو كان يطلب الكثير، فما يحققه لهم يستحق ذلك، وأكثر.
أقل من شهر، برهن صلاح أنه لا يعوض، بات الليفر بطلًا للدوري، وصلاح الهداف الأسطوري.
حسنًا، غامر صلاح كثيرًا بمستقبله، حتى المنعطف الأخير من الموسم، هكذا وصف جرايم سونيس مفاوضات صلاح مع ليفربول، إصابة غير متوقعة كان يمكن أن تدمر مستقبله، لكنها حركة غير مستغربة من صلاح، الذي لم يعتد المخاطرة في مفاوضاته.
ولكن، وعودة مجددًا لـ«لكن»، تسجيله 33 هدفًا، و23 تمريرة حاسمة في 48 مباراة، جعلته في وضع تفاوضي ممتاز حتى في سن الـ 32.
كان صلاح يعرف أنه شريان الحياة للأنفيلد، بمساهماته التي لم تقتصر على تسجيل الأهداف فحسب، بل في تمريراته الحاسمة، وقيادته على أرض الملعب، إن فقدانه الآن، وهو في أفضل حالاته، كان سيكون بمثابة ضربة موجعة لها عواقب بعيدة المدى، لهذا كان دائمًا في موقف قوة، ملوحًا بعرض باريس سان جيرمان.

الكثير من الصدف
رحلة مذهلة للاعب المصري خلال 15 عامًا قضاها في الملاعب، منذ أن كان في «المقاولين العرب» وهو ابن الـ 17 عامًا، وبقيمة سوقية لم تزد على 25 ألف يورو، خلال عامين ارتفعت لنحو 300 ألف، قبل أن ينتقل لبازل السويسري، وهو يملك قيمة سوقية بنحو 2.5 مليون يورو، انطلق بسرعة الصاروخ، وتجاوز الـ 18 مليونًا مع تشيلسي، وقبله في فيورنتينا، غير أن تجربته الأهم كانت في روما عام 2015، ومعه بلغت قيمة صلاح أكثر من 35 مليون يورو، ومنه انتقل لليفربول في 2017، بصفقة قياسية بلغت 50 مليون يورو، أغلى لاعب عربي، ومن 40 مليونًا، بلغ صلاح قمة نجوميته، خلال عام واحد فقط، قفزت قيمة اللاعب السوقية إلى نحو 150 مليون يورو، وهو في عمر الـ 25، ونجح في قيادة الريدز للفوز بالدوري الإنجليزي وأبطال أوروبا، وكأس العالم للأندية، ليبدأ بعدها النزول من الهرم، ولكن استمر الأفضل في ليفربول، ومعها تراجعت قيمته السوقية لتصل إلى 55 مليون يورو حاليًا، أقل بـ 10 ملايين عن التي كان عليها في 2023.
كانت مسيرة صلاح تتغير 180 درجة، عندما كان على وشك الانتقال إلى الزمالك المصري، قطب الكرة المصرية الثاني، غير أن ممدوح عباس، رئيس نادي الزمالك حينها، رفض التوقيع على العقد بحجة صغر عمر اللاعب، وعدم مناسبته للقلعة البيضاء، بعد عام واحد فقط، انتقل إلى الدوري السويسري، لتُفتح له أبواب أوروبا على مصراعيها، كان الأمر صدفة غير متوقعة، في أبريل 2012 كان صلاح موجودًا مع المنتخب المصري الأولمبي، لخوض مباراة تجريبية أمام بازل، حينها شارك صلاح في الشوط الثاني، وسجل هدفين، دفع ذلك بازال إلى التفاوض معه بعد نهاية المباراة فورًا، والإبقاء عليه بعقد احترافي مقابل مليوني يورو، لم تكن الصدفة الأولى في حياة صلاح، وانتقاله من قرية نجريج للقاهرة كانت الصدفة الأكبر.
قدم رضا الملاح، كشاف المواهب، للبلدة الصغيرة الواقعة بمركز بيسون في محافظة الغربية، لمتابعة لاعب موهوب اسمه شريف، ما أجل ضمه لنادي عثماسون، التابع لشركة المقاولين العرب، طلب رضا من شباب القرية أجراء تقسيمة صغيرة لمشاهدة شريف وهو يلعب، ولكن عوضًا عن اختيار شريف، قرر ضم الصغير صلاح، الذي لم يكن يتجاوز الـ 13 عامًا، وذهب صلاح الصغير إلى عثماسون، وهناك اكتشفه من جديد المدرب ريجو، ومساعده حمدي نوح، وطلبا نقله لفرق الناشئين في المقاولين العرب، كانت الخطة نقلة للزمالك لاحقًا، ولكن الصفقة تعثرت، لأن رئيس الزمالك عدّه غير جاهز. «لا يصلح للزمالك»، عبارة أشعلت فتيل الحماس في قلب اللاعب الصغير، الذي عدّه تحديًا له، ولا بد أن يرد عليه بقوة.
بعد أقل من عام، كان يلعب في بازل، يتذكر صلاح الصدف في حياته بحوار مع kingfut، ويتساءل: «ماذا لو انضممت للزمالك؟ أعتقد لو كنتُ قد وقّعتُ للزمالك لما وصلتُ إلى ما أنا عليه الآن»، مضيفًا: «لم يكن الزمالك سيسمح لي بالرحيل بأي ثمن، لو انضممت إليه».

قدرات مذهلة
تأثرت حياة صلاح المبكرة بالضائقة المالية، التي عانت منها أسرته، مثل كثير من الأسر المصرية في تلك الفترة، إلا أن شغفه بكرة القدم برز قوة دافعة، وقوية، منذ صغره، أظهر صلاح قدرات فطرية، حيث كان يراوغ الخصوم بسهولة، ويمتلك موهبة تسجيل الأهداف، لم يكن العالم ليتخيل أن هذا الشاب البسيط من نجريج سيتطور ليصبح واحدًا من أبرز لاعبي كرة القدم في جيله، السويسري مراد ياكين، مدرب بازل، عرف ذلك في 25 دقيقة.
بعد تألقه في سويسر، كان صلاح قريبًا من الانتقال لليفربول، لم يكن الفريق بتلك القوة، التي هو عليها الآن، كان يعاني كثيرًا، فضل صلاح اللعب لفريق العاصمة بدلًا من الريدز، صدفة ثالثة في حياة اللاعب المصري الشاب، كان على وشك التوقيع لفريق ستيفين جيرارد، ولكن اتصالًا من البرتغالي جوزيه مورينيو، مدرب تشيلسي حينها، غير كل شيء، رحيل مواتا من النادي اللندني، جعلهم يبحثون عن لاعب بديل، ويكون أعسر، وصغيرًا بالسن، ولا يكلفهم الكثير، فكان الاختيار صلاح.
يتذكر صلاح بعد 10 أعوام قصة ذلك الاتصال: «كنت على وشك الانضمام إلى ليفربول. ثم اتصل بي جوزيه مورينيو وغير رأيي. فقلتُ حسنًا، سأذهب إلى لندن الآن»، ربما لم ذهب صلاح لليفربول في تلك الفترة لتنتهي سريعًا، لاعبًا في الـ 21 عامًا، كان من الصعب عليه الصمود أمام جماهير الريدز القاسية.
لم يكن النجاح فوريًا، واجه صلاح تحديات في التأقلم مع الكرة الإنجليزية، وكافح لتأمين مكان أساسي في التشكيلة الأساسية، وعلى الرغم من النكسات، أظهر صمودًا، وعزيمة، شكّلتا مسيرته الكروية، فضل الانتقال لروما على سبيل الإعارة في 2015، وهنا انصقلت موهبته بشكل أفضل، ناسبته الكرة الإيطالية أكثر من تقليدية الإنجليزية الصلفة، لم يكن غريبًا عنها، سبق وأن لعب في فورنتينا قبلها بأشهر، الأمر الذي مكنه من التأقلم بسرعة، وتصدر قائمة هدافي الكالتشيو، ليصبح بعدها جاهزًا للعودة إلى الدوري الإنجليزي.
هذه المرة لم يكن للصدفة دور في مسيرة صلاح، بعد تجربته الناجحة في إيطاليا، كانت عودته لإنجلترا مختلفة.
ما حدث كان معجزة بكل المقاييس، شهد موسم صلاح الأول مع ليفربول تسجيله 44 هدفًا في جميع المسابقات، محطمًا العديد من الأرقام القياسية، وقاد النادي إلى نهائي دوري أبطال أوروبا، وأهله أداؤه المتميز للفوز بجائزة رابطة اللاعبين المحترفين المرموقة لأفضل لاعب في العام، ليُصبح من بين نخبة لاعبي كرة القدم، بعد موسم قياسي في أول موسم له مع ليفربول، حيث سجل 32 هدفًا في الدوري الإنجليزي الممتاز، وهو أكبر عدد من الأهداف سجلها أي لاعب في موسم واحد، تم عرض حذائه في المتحف البريطاني.
اليوم بات صلاح الرقم الصعب في الدوري الإنجليزي، والأهم في تاريخ ليفربول، قاد ليفربول، الذي كان بالكاد يستعيد عافيته من سقطة جيرارد المؤلمة، إلى ألقاب الدوري الإنجليزي الممتاز، ودوري أبطال أوروبا، وكأس العالم، والسوبر الأوربي، ورابطة الأندية الإنجليزية مرتين، ودرع الاتحاد، وكأس الاتحاد الإنجليزي، إضافة لوصافة أبطال أوروبا، محطمًا أرقامًا قياسية لا تُحصى.
تعدّ رحلة محمد صلاح من نجريج إلى النجومية العالمية في كرة القدم ظاهرةً حقيقية، قصته قصة موهبة ومثابرة وقوة كرة القدم التحويلية، يتجاوز تأثير صلاح الأهداف التي يسجلها، مُلهمًا جيلًا جديدًا من عشاق كرة القدم، ومؤكدًا أن المعجزات والصدف يمكن أن تحدث تغييرًا جذريًا في ملاعب كرة القدم.
في مصر، يعدونه «صانع السعادة»، تُدرّس قصة حياته في المدارس، ليس لاعب كرة قدم فقط، بل إنسانًا، أسهم في بناء مدرسة، ومحطة معالجة مياه، ومحطة إسعاف هناك، وتُقدّم مؤسسته شهريًا الطعام والمال للمحتاجين، من داخل متحف بريطانيا الوطني، ولم ينسَ صلاح نجريج الصغيرة.


أخبار متعلقة :