عرب فايف

حكاية أم تونسية مع برنامج ⁧‫سمع السعودية‬⁩ - عرب فايف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
حكاية أم تونسية مع برنامج ⁧‫سمع السعودية‬⁩ - عرب فايف, اليوم الأحد 4 مايو 2025 02:51 مساءً

كنت أظن أن قلبي قد اعتاد الصمت! أنني أصبحت جزءًا من هذا الفراغ الكبير، الذي لا يُسمع فيه شيء، ولا يُقال فيه شيء، ولا يُنتظر منه شيء!

عشر سنوات، وربما أكثر، وأنا أراقب طفلي ينمو بجسدٍ لا يسمع العالم، وعينين تفتش عن تفسير لحركة الشفاه حوله!

كان كل صباح يحمل لي وجعًا جديدًا..

كل صباح كنت أجلس أمامه، أحرك شفتي بكلمتي «صباح الخير»، وهو يبتسم دون أن يعرف أن للحب صوتًا، وأن للاحتواء موسيقى لا يسمعها إلا من كان له قلب وأذنان..

كنت أبتسم له وأنا أموت من الداخل، أغني له وأنا أعرف أنه لن يسمع اللحن، أحكي له القصص بصوتٍ هامس، لا لأجله... بل لأجلي، حتى لا أنسى أنني أم، وأنه مهما صمت الكون، فإن صوتي له حق أن يوجد..

ثم جاء ذلك اليوم..

يوم أخبروني أن هناك أملًا، وأن برنامج ⁧‫سمع السعودية‬⁩ سيحمل لنا معجزة صغيرة.

ضحكت لا سعادةً... بل مرارة، كيف يمكن لسنوات الصمت أن تُغسل بجهاز صغير يُزرع في رأس طفلٍ هش؟!

ومع ذلك، تمسكت بالوهم.. جرجرت قلبي المثقل إلى المستشفى، وخبأت كل دموعي في أطراف عيني؛ كي لا يراها أحد..

حين دخل إلى غرفة العمليات، شعرت أنني أودع قطعة مني لا أعرف إن كانت ستعود

صلّيت... ليس لأنني مؤمنة أن المعجزات سهلة، بل لأنني كنت بحاجة لشيء أتشبث به وسط انهيار العالم من حولي..

مرت الساعات ثقيلة.. ثقيلة كعمرٍ بأكمله!

كل دقيقة كانت تمزقني، وكل ثانية كانت تدفعني إلى هوة خوف لا قاع لها..

وحين خرج...

حين استيقظ، وحين دسّوا الجهاز الصغير خلف أذنه، نظر إليَّ نظرةً لم أرها من قبل

نظرة اندهش فيها العالم كله أمام عينيه.

ثم تحرك فمه الصغير...

ونطق، بصوت خافت، مشوش، مرتعش: «ماما»..

أخبار ذات صلة

 

لم أحتمل، سقطت على الأرض باكية..

انفجرت من داخلي زغرودة مكسورة.. زغرودة مخنوقة بألف ليلةٍ.. بكيتُ فيها في صمت، بألف سؤال بلا جواب، بألف دعوةٍ أطلقتها إلى السماء دون أن أعلم إن كانت ستصل..

زغردت وأنا أشهق بالبكاء.. زغردت وأنا أدفن كل سنوات الوجع تحت قدمي.. زغردت وأنا أناجي الله بصوتي، وأشكره بصمتي.. كل شيء بدا بعيدًا عني، كل شيء عدا صوت طفلي وهو ينطق اسمي...

اسمٌ كنتُ أكتبه على جدران القلب كل ليلة خوفًا من أن يضيع..

اسمٌ كان يتيه في الصمت، حتى جاء هذا اليوم، وأُعيد إليّ من فم صغير، من فمٍ كان يسكنه الصمت

وهنيئًا.. هنيئًا لكل يدٍ كانت سببًا في أن يعود هذا الصوت إلى الحياة..

هنيئًا لمن أضاء ليلنا الطويل بشمعة واحدة، مهما كانت ضئيلة..

هنيئًا لمن آمن أن الطفولة لا يليق بها الخرس، ولا بالحب أن يبقى معلقًا في الهواء دون أن يصل!

هنيئًا لكم، أيها الذين وهبتم الحروف الأولى لأطفالنا..

وهنيئًا لكم، لأنكم منحتمونا فرصة واحدة، فقط واحدة، لنشهد ميلاد الصوت من تحت ركام الصمت..

لكن اعلموا إن الفرحة جاءت مثقلةً بثياب الحداد.

إن الضحكة التي تسمعونها الآن، خرجت من بين ألف تنهيدة.

وإن كلمة «ماما» التي قيلت اليوم، سُقيت من دموع أمٍّ ظلت سنوات تسأل نفسها:

«هل يسمعني؟ أم أنني وحدي هنا؟ وحدي تمامًا؟»

هنيئًا لكم.. هنيئًا لنا.. لكن لا تنسوا أبدًا: في كل كلمة ينطقها هؤلاء الأطفال، في كل ضحكة تصدح من حناجرهم الصغيرة، هناك قصة بكاء طويل، هناك ليل صاخب بالصمت، هناك قلوب أكلها الانتظار ولم تمت..

وهكذا..

على هامش هذا العالم الذي كان صامتًا ذات يوم، ولدت اليوم زغرودة.. زغرودة من الرماد.. زغرودة لا تشبه شيئًا، إلا أنين روحٍ رأت النور أخيرًا..

*كاتبة سعودية

أخبار متعلقة :